أصبحت الأنظار تترقب عودة مؤسسات الدولة إلى عدن، وممارسة عملها من هناك، لا سيما بعد التغييرات الجوهرية التي طرأت على منظومة الرئاسة اليمنية مؤخرا، والتي تمخضت عن إزاحة رئيس الجمهورية ونائبه من منصبيهما، وتشكيل مجلس قيادة رئاسي، يقوم بمهامهما ويمارس كافة صلاحياتهما.
وإذا نظرنا إلى المكونات السياسية التي تمثل الشرعية، والتي هي في طريقها إلى عدن، فسنجد أن ما يفرقها أكثر مما يجمعها، وهي في الأساس مبنية على التخالف أكثر من بنائها على التآلف، ولولا التلويح بالعصا الإقليمية والدولية لما قبلت هذه المكونات بعضها في إطار الشرعية.
من هنا، ينظر كل مكون إلى هذه المرحلة من زاوية نظر أو زاوية رؤية خاصة به، بوصفها مرحلة مراوغة مهمة، للانتقال إلى مرحلة أهم، وسط صراع سياسي خفي أشد احتداما، لكنه لن يحتاج وقتا طويلا حتى يتجلى على السطح من جديد.
كل المكونات السياسية من غير الانتقالي التي تنوي العودة إلى عدن تصرح بأن الهدف من عودتها هو توفير خدمات الناس وتحسين معيشتهم، ومواجهة الحوثي، وتحرير شمال اليمن من سيطرته، غير أنها في الحقيقة لا تهدف إلى هذا ولا إلى ذاك، فهدفها العميق هو إفشال الانتقالي، من خلال تعطيل أي خطوة من شأنها أن تقود إلى تحسين معيشة الناس، وهذا الفشل لن يؤثر فيها إطلاقا، لأنها لم يتبق لها ما يمكن أن تخسره، وإنما سيكون ضربة موجعة في صميم بنية الانتقالي وحده دون غيره، عن طريق خلخلة علاقته الوطيدة بينه وبين قاعدته الجماهيرية.
ومن ثم، على الانتقالي أن يحسبها بشكل صحيح، وألا يغامر بعودة مؤسسات الدولة إلى عدن إلا إذا كان واثقا من تحقيق ولو القدر اليسير من النجاح، خاصة بعد خيبة الأمل والتذمر الشعبي الواسع لدى الشارع الجنوبي من حكومة الكفاءات المنبثقة عن اتفاق الرياض، التي لم يلتمس منها المواطنون سوى المزيد من الآلام والمعاناة، فبالنجاح فقط يمكن أن يوثق الانتقالي جسور علاقته مع جماهيره التي ترفض – من الأساس – عودة أي هوية وحدوية أو رموز شمالية إلى عدن من جديد، ثم على الانتقالي أن يعرف أن مرحلة التعاطف الشعبي معه في عدم توفير الخدمات قد ولّت، وأنه أصبح اليوم مطالبا بتحسين حياة المواطنين، وليس له عذر ولا مبرر من القيام بهذه المهمة، كونه أصبح يمارس دوره من أعلى هرم للسلطة في البلاد.