الجمعة , 22 نوفمبر 2024
القمندان نيوز / حسين القاضي كاتب وباحث مصري
تحوّل اهتمام العالم في الأيام الماضية نحو قارة أفريقيا، ففي أوقات متقاربة جداً قام وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف بزيارة الكونغو وأوغندا وإثيوبيا، فضلاً عن مصر، في وقت كان فيه الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون يحلّ ضيفاً على الكاميرون وبنين وغينيا بيساو، وكان المبعوث الأمريكي الخاص مايك هامر يحلّ ضيفاً على مصر وإثيوبيا، وكان الرئيس الإيطالي يحلّ ضيفاً على موزمبيق، وأُعلِن أنّ وزير الخارجية الأمريكي سيقوم بجولة أفريقية مطلع شهر آب (أغسطس) الجاري.
ربما تأتي هذه الزيارات؛ بسبب تمدد جديد للتنظيمات المسلحة في أفريقيا:
1- قام تنظيم داعش بتمويل فروعه في أفريقيا؛ ممّا أدى إلى ظهور نسخ أكثر دموية وزخماً، مثل تنظيم ولاية وسط أفريقيا (موزمبيق والكونغو).
2- تمدد فرع داعش في نيجيريا “ولاية غرب أفريقيا” إلى خارج النطاق الجغرافي لمناطق نفوذه التقليدية المعتادة التابعة لبوكو حرام، فقد كان يركز على منطقتي (برنو ويوب)، ثم خرج منهما إلى منطقة “الحزام الأوسط”، وهي منطقة ذات أغلبية مسيحية، ممّا ينذر بإثارة البُعد الطائفي والعرقي في هذه المناطق، فضلاً عن تطور نوعي متعلق باستخدام الأسلحة النارية بكثرة، بعد أن كانت المتفجرات هي الأكثر شيوعاً.
3- تُعدّ “مالي” بؤرة أفريقية ملتهبة، فهي من أغنى الدول الأفريقية بالذهب واليورانيوم، وتضم جماعات إرهابية مسلحة، على رأسها تنظيم القاعدة في بلاد المغرب، وحركة أنصار الدين، وكتيبة المرابطين، وتنظيم داعش في الساحل، وتحالف جماعة نصرة الإسلام والمسلمين، هذه الدولة نزح منها أكثر من (500) ألف شخص من شمال البلاد إلى جنوبها ودول الجوار، هرباً من القتل والتدمير الذي تمارسة التنظيمات الجهادية، فإذا بها تشهد تطوراً خطيراً في الأيام الماضية؛ بوصول التنظيمات المسلحة إلى قواعد الجيش قرب العاصمة باماكو في الجنوب، وقرب مقر إقامة الرئيس الانتقالي، في هجمات أودت بحياة (100) شخص، بعد أن كانت هجماتها تتركز في الشمال والوسط.
والتطور الآخر في مالي هو أنشطة الميليشيات المسلحة كبديل عن الجيش الوطني في مقاومة التنظيمات الإرهابية، فقد ذكر موقع “سكاي نيوز” في تقرير له أنّ ميليشيا أزواد في منطقة أزواد بشمال مالي، أحبطت عملية تهريب الوقود لتنظيم داعش من تشاد إلى مالي في غياب الجيش المالي.
4- في الصومال وقع تفجير انتحاري أدى إلى مقتل وزير العدل حسن إبراهيم، في ولاية “جنوب غرب” الصومال، عقب أدائه صلاة الجمعة في مسجد يبعد حوالي (245) كم غربي مقديشو، وتشير أصابع الاتهام إلى حركة شباب المجاهدين.
أهداف دبلوماسية واقتصادية تسبق قضية الإرهاب:
كلّ هذه الأجواء لم تنعكس انعكاساً قوياً على الدول التي هبطت بطائراتها إلى الدول الأفريقية، حيث جعلت نصب عينيها القضايا الاقتصادية والسياسية؛ مثل قضايا الطاقة، والاستثمار والبترول، والتطلع للولاءات على النحو التالي:
1- أمريكا واستعادة النفوذ: يسعى وزير الخارجية الأمريكي في زيارته لأفريقيا لوقف التمدد الصيني والروسي، وتكثف أمريكا من نشاطها الدبلوماسي في أفريقيا في مواجهة الدبلوماسية الروسية، وتهدف إلى إقناع الدول الأفريقية بأنّها شريك أساسي في القضايا المحورية، خاصّة أنّ اقتصادها في أفريقيا يفوق بكثير جداً اقتصاد روسيا، ويحاول بلينكن حشد الدول في القارة الأفريقية لعزل روسيا دبلوماسياً واقتصادياً، وهي المحاولات الفاشلة حتى الآن.
2- روسيا واعتبارات متنوعة: تحاول روسيا تحقيق عدة أهداف من جولة وزير خارجيتها في أفريقيا؛ منها تعزيز علاقتها بأفريقيا، وكسر العزلة التي فرضتها عليها الدول الغربية بعد الحرب على أوكرانيا، والوقوف ضد المساعي الغربية العاملة على التمدّد في أفريقيا، وضمان استمرارية حياد أفريقيا في الموقف من الحرب، وعدم جرها للوقوف في الصف الغربي، وأشاد لافروف، كما نقلت “بي بي سي” الإخبارية، بما سمّاه “المسار المستقل” الذي اتخذته دول أفريقيا بعدم الانضمام إلى الغرب في معاقبة روسيا، ولذلك دعت موسكو الدول الأفريقية إلى التشكيك في النظام الغربي ومبادئه، وعدم الانصياع لأيّ دعم تقوده أمريكا، وأنّ رد الفعل غير المناسب من الغرب، هو الذي كان له التأثير الأكبر على أسواق المواد الغذائية، وليس العملية الروسية، بالإضافة إلى إغراء أفريقيا بإنهاء الحصار الروسي للموانئ الأوكرانية، والسماح بتصدير الحبوب، لا سيّما أنّ دولاً أفريقية عديدة تعتمد على صادرات روسيا وأوكرانيا من القمح.
3- فرنسا وعودة الانخراط: سحبت فرنسا قواتها من مالي، وتركت فراغاً كبيراً، ومن هنا تحاول إعادة التموضع في بعض الدول الأفريقية، وهو ما يقابله الأفارقة برفض تام، وليس أدلّ على ذلك من ترحيبهم بالتواجد الروسي (ممثلاً في فاغنر) بديلاً عن الفرنسي (ممثلاً في برخان)، ولم تكن خطورة التنظيمات المسلحة وتمددها على رأس أولويات الرئيس الفرنسي، الذي هبطت طائرته في الكاميرون وبنين وغينيا بيساو، فالكاميرون من أبرز الدول الأفريقية الغنية بالنفط والألماس والذهب والألومنيوم والفضة، وغينيا بيساو دولة فقيرة جداً، لكنّها من أكبر الدول المنتجة للنفط في قارة أفريقيا، وجمهورية بنين من أغنى البلدان الأفريقية بالذهب “الأبيض” (القطن)، فالحصول على استثمارات اقتصادية كبيرة هو الهدف الأول لفرنسا في أفريقيا، مع الأهداف المتعلقة بتقويض النفوذ الروسي.
4- إيطاليا حاضرة: هبطت في موزمبيق طائرة الرئيس الإيطالي وسط تصاعد وتيرة التنافس الدولي والإقليمي على القارة الأفريقية، والاستفادة من الموقع الاستراتيجي لموزمبيق، بالتزامن مع الأزمات التي خلفتها الحرب الروسية الأوكرانية، في وقت يسيطر فيه تنظيم داعش على بعض المناطق؛ ممّا أدى إلى أن يصل عدد القتلى إلى نحو (4000) حتى الآن.
تداعيات التوجه الغربي نحو في أفريقيا على التنظيمات الإرهابية
تأخر البُعد الخاص بمواجهة التنظيمات الإرهابية في ملف الدول الغربية وروسيا، وفي المجمل فإنّ الصراع الغربي الروسي على أفريقيا له تداعيات على التنظيمات الإرهابية من زوايا متعددة منها:
أوّلاً: إعطاء الأولوية من الدول الكبرى لكسب الولاءات الأفريقية أتى على حساب الجانب الأمني في أفريقيا.
ثانياً: انشغال أمريكا بمسألة صعود روسيا والصين في أفريقيا جاء على حساب انشغالها بقضية التنظيمات الإرهابية.
ثالثاً: روسيا التي كان عليها اعتماد الأفارقة بديلاً عن الاستعمار التقليدي، انشغلت هي الأخرى بتحقيق مكاسب معينة.
رابعاً: ضعف قدرة المجتمع الدولي ومؤسساته المختلفة على التنسيق والتعاون لاتخاذ إجراءات ومواقف قوية، وبناء تحالفات فعالة ضد الإرهاب في أفريقيا، كان من مصلحة تمدّد “داعش” و”القاعدة”.
خامساً: ما زعمته الاستخبارات الروسية من أنّ أمريكا تحاول جمع مقاتلي “داعش” من سوريا وأفريقيا وإرسالهم إلى أوكرانيا، من شأنه أن يؤدي إلى خلق بؤر جديدة للتنظيمات الجهادية، خاصة أنّ أوكرانيا أطلقت تحذيرات تخوفت فيها من أن تصبح ملاذاً لتنظيمات إسلامية جهادية قادمة من الشام وأفريقيا وعابرة للقارات، وإن كان ما قالته الاستخبارات الروسية لا يوجد ما ينقله من الشك إلى الجزم واليقين.
سادساً: الفراغ الأمني في أفريقيا بعد انسحاب فرنسا من مالي، وانشغال روسيا بالحرب، وانسحاب فاغنر الروسية للقتال ضد أوكرانيا (فاغنر لديها مكاتب في (23) دولة أفريقية)، كلّ ذلك يمكن للتنظيمات الإرهابية استغلاله، لا سيّما مع التجارب المختلفة التي أثبتت قدرة هذه التنظيمات على استغلال الفراغ الأمني، والصراعات السياسية والتردي الاقتصادي والاضطرابات الداخلية والوباءات العالمية.
آثار محتملة
1- استمرار الصراع الروسي-الغربي سيصبّ في مصلحة التنظيمات المسلحة وتمددها في أفريقيا، سواء في الساحل الأفريقي أو خليج غينيا أو القرن الأفريقي، فالمجهودات المبذولة لكسب الولاء الأفريقي كانت يجب أن تتجه لاحتواء الأزمة الروسية الأوكرانية، وإن حدث هذا، فلن تكون التنظيمات قادرة على الاستفادة من الفراغ المترتب على توجيه كافه الإمكانيات للحرب الروسية الأوكرانية.
2- لا يمكن القول إنّ روسيا ستقوم بالدور الذي تقوم به الدول الكبرى، لكن يمكن أن تكون منافساً قوياً، مستغلة أنّها لا تحمل أجندات ذات توجه إيديولوجي، كما هي الحال مع الدول الكبرى، مع النجاح الذي حققته في سوريا في معركتها ضد “داعش” و”القاعدة”، ويفسر هذا استجابة روسيا لدولة مثل مالي، التي طلبت دعماً منها في محاربة الحركات المسلحة؛ فزودتها بمروحيات وأسلحة وذخيرة في العام 2021، وما زالت أهمية الدور الروسي تتزايد في أفريقيا، في ضوء انسحاب أمريكا من الصومال، وانسحاب قوات برخان الفرنسية من مالي، لاستبدالها بـ “فاغنر”، وهي قوات خاصة
نوفمبر 21, 2024
نوفمبر 21, 2024
نوفمبر 21, 2024
نوفمبر 19, 2024